اضطراب طيف التوحد
تعريف التوحد حسب الدليل التشخيصي و الإحصائي الرابع (DSL-4 ):
في البداية يتم ظهور 6 أعراض أو أكثر من المجموعات الأولى والثانية:
المجموعة الأولى: قصور تكيفي في قدرات التفاعل.
يحدث للطفل قصور في التواصل الغير لفظي مثل تعابير الوجه والعيون.
كذلك أن يفشل الطفل المصاب في تكوين المزيد من العلاقات والصداقات التي تتناسب مع عمره او مرحلة النمو.
عدم القدرة على المشاركة أو أن يقوم بأعمال عدوانية وانفعالية تعبيرًا عن مشاعره.
المجموعة الثانية: قصور في القدرة على الإتصال.
الطفل المصاب باضطراب التوحد لا يملك القدرة على التواصل مع الآخرين سواء بالتخاطب او بشكل غير لفظي.
كذلك التكرار وعدم التجدد في استخدام الألفاظ واللغة بشكل عام.
عدم القدرة على المشاركة في الحديث أو اللعب أو التقليد الاجتماعي الذي يتناسب مع عمر الطفل.
تعريف التوحد حسب حسب الدليل التشخيصي و الإحصائي الخامس(DSL-5 ):
تحرص الجمعية الأمريكية للطب النفسي على التطوير من المحتوى الذي تقدمه، لذلك فإنها قامت بإنشاء الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، فيما يلي سوف نتعرف على ما هو اضطراب طيف التوحد وأهم الصعوبات التي تواجه المصاب بالتوحد، وهي:
عدم القدرة على استخدام الاتصالات للأغراض الاجتماعية المختلفة، أي لا يمكنه تقديم التحية أو تبادل الحديث والمعلومات.
لا يملك القدرة على تغيير الاتصال وفقًا لما يحتاجه الشخص المستمع، أي لا يمكنه التحدث بطريقة مختلفة مع البالغين مثلًا أي تجنب استخدام اللغة الرسمية.
السلوكيات الغير لفظية يعجز الطفل فيها، حيث يمكن أن يتعرض لتشوهات في العين ولا يتمكن من استخدام الكثير من الإيماءات.
حركات الطفل المصاب تصبح نمطية جدًا ومتكررة إلى جانب أن استجابته للأصوات سلبية.
أسباب التوحد:
لم تعرف أسباب التوحد بدقة حتى الآن، ولم يتم التوصل الى تفسير أسباب التوحد بشكل علمي ودقيق ولكنه قد ينجم عن مشاكل في أجزاء من الدماغ مسؤولة عن معالجة المدخلات الحسية، وعلى الرغم من تطور هذه الدراسات، ما يزال الموضوع غير دقيق.
وهناك بعض الأسباب العوامل التي توصل الى حالة التوحد منها:
الأسباب الوراثية:
هناك دراسات عديدة و دلائل لوجود علاقة بين التوحد والعامل الوراثي، وفي دراسة عن التوائم وجد بأن حالة التوحد تنتشر بنسبة عالية عند التوائم المتطابقة، وقد لوحظ في دراسات أخرى تزايد نسبة وجود حالة التوحد عند الأخوة.
الأسباب العضوية والبيولوجية:
يجمع بعض الدراسات الطبية على وجود خلل وظيفي دماغي يسبب حالة التوحد، والدليل على ذلك النسبة الكبيرة من حالات التوحد التي تترافق مع التأخر الذهني والصرع ، وقد يكون هذا الخلل ناتجاً عن خلل عضوي أو عصبي أو بيولوجي حصل قبل الولادة أو خلالها أو بعدها ، مثال ذلك وجود خلل في الحركة بين الخلايا في الدماغ يمنع التواصل بين الخلية و الأخرى.
أما بالنسبة إلى دليل وجود الخلل الوظيفي الدماغي ، قد بينت فحوص الرنين المغناطيسي (MRI) وجود تغييرات في عدد من أقسام الدماغ.
الأسباب الكيميائية:
العوامل الكيميائية تؤدي إلى اضطرابات في الدماغ، وقد أشارت بعض الدراسات إلى وجود عوامل كيميائية عصبية تنتج عن خلل أو نقص أو زيادة في إفرازات النواقل العصبية التي تنقل الأشارات في الدماغ.
معايير تشخيص اضطراب طيف التوحد (DSM-5):
تشخيص التوحد طبقاً لتصنيف الجمعية الأمريكية للطب النفسي: الإصدار الخامسDSM-5- (APA,2013)
حيث نص على أن الطفل ذوي اضطراب التوحد يتصف بما يلي:
1. صعوبة مستمرة في التواصل والتفاعل الاجتماعي مع المواقف المختلفة سواء في المراحل الحالية أو ما قبلها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
- صعوبة في التبادل الاجتماعي – العاطفي: ويتراوح ما بين التعامل الاجتماعي غير الطبيعي والفشل في تبادل حوار اعتيادي مثلًا إلى الفشل في المشاركة في الاهتمامات والعواطف والمزاج إلى الفشل في بدء تفاعل اجتماعي أو الاستجابة له.
- صعوبة في سلوكيات التواصل غير اللفظي المستخدمة في التفاعل الاجتماعي: ويتراوح ما بين ضعف في تكامل التواصل اللفظي وغير اللفظي مثلًا إلى خلل في التواصل البصري ولغة الجسد أو صعوبة في فهم واستخدام التعبير الجسدية (الإيماءات) إلى الغياب الكامل لتعابير الوجه والتواصل غير اللفظي.
- صعوبة في إنشاء العلاقات أو الحفاظ عليها أو فهمها: ويتراوح من صعوبات في ضبط السلوك ليتلاءم مع مختلف المواقف الاجتماعية مثلا إلى صعوبات في مشاركة اللعب التخيلي أو إنشاء الصداقات، إلى فقدان الاهتمام بالأقران.
2.سلوك أو اهتمامات أو أنشطة تتصف بالتحديد أو التكرار، كما هو ظاهر في اثنتين على الأقل مما يلي، سواء في المرحل الحالية أو ما قبلها،ومنها ما يلي:
- نمطية وتكرار في حركات الجسم أو استخدام الأشياء أو الكلام. (مثلا ً: نمطيات حركية بسيطة، أو ترتيب الألعاب في طابور أو قلب الأشياء، إعادة ترديد الكلام المسموع كـ(صدى)، ترديد عبارات خاصة غير ذات معنى).
- الإصرار على المثلية (تماثل الأفعال)، وارتباط دائم بالأفعال الروتينية، أو طقسية أو الطبيعة أو السلوك اللفظي وغير اللفظي.فعلى سبيل المثال: اضطراب كبير عند حصول تغيير بسيط، أو صعوبات في التغيير، أو طبيعة تفكير جامدة، طقوس ترحيب خاصة، أو الحاجة إلى أخذ نفس الطريق أو تناول نفس الطعام يوميا.
- اهتمامات محددة وثابتة بشكل كبير وبصورة غير طبيعية من ناحية الشدة والتركيز ، مثلا ً(التعلق أو الانشغال الشديدين بأشياء غير اعتيادية، أو التقيد بصورة مبالغ فيها، أو المواظبة على الاهتمام بشيء محدد).
- فرط أو انخفاض حركي نتيجة للمدخلات الحسية، أو اهتمامات غير طبيعية بالجوانب الحسية للمحيط (عدم إحساس للألم أو الحرارة، استجابة سلبية لأصوات أو أحاسيس لمس معينة، فرط في شم أو لمس الأغراض، انبهار بصري بالأضواء والحركات).
3. يجب أن تظهر الأعراض في الفترة المبكرة من نمو الطفل: وقد لا تظهر الأعراض بشكل واضح حتى تظهر الحاجات الاجتماعية مدى القدرات المحدودة للطفل التوحدي، أو قد لا تظهر أبدا لحلول استراتيجيات مكتسبة لتحل محلها خلال الفترات الأخيرة من النمو).
4.يجب أن تسبب الأعراض ضرراً واضحاً في الفعاليات الاجتماعية والوظيفية والفعاليات الحياتية الأخرى المهمة.
5.هذه الاضطرابات يجب ألا تكون بسبب نقص في الذكاء (اضطرابات الذكاء التطورية) أو تأخر النمو العام: إن نقص الذكاء واضطراب طيف التوحد يظهران معاً عادة، ولعمل تشخيص ثنائي للمرضين في مرض واحد يجب ان تكون القابلية للتواصل الاجتماعي أقل من المستوى المتوقع في النمو الطبيعي.
من المسؤول عن تشخيص التوحد:
إن عملية تشخيص اضطراب طيف التوحد ليست بالعملية القصيرة أو سريعة القرار كما أنه لا يوجد اختبار طبي واحد لتشخيص اضطراب طيف التوحد، بل هناك العديد من الاختبارات والتقييمات التي يجب أن يخضع لها تشخيص اضطراب طيف التوحد من قبل الفريق المختص في تشخيص اضطراب طيف التوحد والذي يتكون من:
– الأخصائي النفسي – أطفال
– أخصائي النطق
– طبيب الأعصاب – أطفال
– أخصائي العلاج الوظيفي
– أخصائي العلاج الطبيعي
– الطبيب النفسي – أطفال
– طبيب نمو وسلوك الأطفال
– أخصائي السمع
– أخصائي التربية الخاصة
البرامج المقدمة للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD):
خلال السنوات الماضية، ظهرت العديد من المحاولات والتدخلات العلاجية المقدمة للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد(ASD)، والتي انبثقت عن فلسفات مختلفة.
وتشمل هذه المحاولات العديد من التدخلات السلوكية والتدخلات النمائية، والتدخلات السلوكية المعرفية.
ورغم أن كل برنامج يقوم على فلسفة مختلفة، ويستخدم استراتيجيات فريدة من نوعها، غير أن هناك تداخل كبير في مكونات هذه البرامج ، ولقد حاولت دراسات كثيرة تطوير المهارات الاجتماعية والتكيفية عند أطفال اضطراب طيف التوحد للتخفيف من أعراضه بعدة طرق كالبرامج الإرشادية للطفل وأسرته، والبرامج السلوكية واللعب والتمثيل.
ويجدر الإشارة إلى حجم الصعوبات التي تواجه إمكانية تعليم ذوي اضطراب طيف التوحد: كعدم التكيف مع الروتين وعزلتهم وحركات الإثارة الذاتية لديهم والانتقائية الزائدة للانتباه أو الانتباه الإنتقائى حيث يؤدي كل ذلك لصعوبة التعميم وصعوبة تطبيق ما يتعلم الطفل في مجالات ومواقف مختلفة فى سائر حياته.
ورغم هذه الصعوبات فإن البرامج التربوية والعلاجية للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، قد حققت نتائجاً إيجابية (Davison & Neale 2001) ونحاول خلال ما يأتى الوقوف على بعض البرامج الأكثر انتشاراً وفاعلية.
1. برنامج تيتش: The TEACCH Program
يمثل برنامج تيتش من خلال اسمه العلاج والتربية الخاصة فى آن واحد للطفل المصاب باضطراب طيف التوحد، وهو تدريب للوالدين للتعامل مع الطفل من أجل تطوير مهاراته على المستوى الاجتماعي، وبالتالي حثه على المشاركة الاجتماعية، حيث يركز البرنامج على فهم بيئة الطفل (جين غوردن،2016:ص 125).
وكلمة تيتش هي اختصار للكلمات التي تعنى علاج وتعليم الأطفال المصابين بالتوحد وإعاقات التواصل المرتبطة به.
Treatment and Education of Autistic and related Communication Children Handicapped (محمد کمال،2011: ص195)
وهذا البرنامج له شهرة عالمية، وهناك عدة أبحاث أثبتت فعالية هذا البرنامج الذي وضعه الدكتور إيريك شولبر Eric Shopler من جامعة شمال كالورلينا بالولايات المتحدة الأمريكية(مدحت أبو النصر ،2004:ص184 ) ويعد أول برنامج تربوي معتمد من قبل جمعية التوحد الأمريكية (نبيل النجار ،2010).
ويقوم برنامج تيتش على أساس تكييف البيئة والمواد التعليمية لتلائم طبيعة الطفل التوحدي، وتلبي احتياجاته الخاصة وتنظيم عناصرها بما يحقق له أقصى درجات الأمن والطمأنينة والاستقلالية، ويُعنى المنهج التعليمي ببرنامج تيتش بالتأهيل المتكامل والشامل للطفل المصاب باضطراب التوحد من خلال العمل على تنمية كل من:
مهارات التواصل الإستقبالية والتعبيرية.
المهارات الاجتماعية.
مهارات اللعب.
المهارات المعرفية والأكاديمية.
المهارات الحركية الدقيقة والتآزر بين العين واليد.
مهارات رعاية الذات (عبد المطلب القريطى ،2012:ص 268).
ويطلق على طريقة TEACCH أيضا التعليم المنظم ويحتاج الطلاب إلى إستخدام للإشارات البصرية لمعرفة أي نشاط سيقام في الأجزاء المختلفة من الفصول الدراسية ويشمل البرنامج عناصر مثل:
تنظيم البيئة الصفية.
تسلسل وتقسيم الانشطة.
الجداول البصرية.
الروتين مع المرونة.
أنشطة منظمة بصريا.
تمتاز طريقة تيتش(TEACCH) بأنها طريقة تعليمية شاملة لا تتعامل مع جانب واحد كاللغة أو السلوك، بل تقدم تأهيلا متكاملا للطفل، كما أنها تمتاز بأنها طريقة للعلاج مصممة بشكل فردي على حسب احتياجات كل طفل، حيث لا يتجاوز عدد الأطفال في الفصل الواحد 5-7 أطفال مقابل معلم ومساعدة معلم، ويتم تصميم برنامج تعليمي منفصل لكل طفل بحيث يلبي احتياجات هذا الطفل( وليد العياصرة،2011: ص95)
ويعد برنامج تيتش تطبيقا لنظريات المدرسة السلوكية أيضا، وهو من أكثر البرامج استخداما في العديد من الدول، ويهدف لعلاج الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد باستخدام أساليب التعزيز الإيجابي والسلبي، ويساعد هذا البرنامج أيضا هؤلاء الأطفال في تحسين تواصلهم مع الآخرين، واكتساب المهارات اللغوية والمفاهيم غير اللفظية(عبدالله الزعبي،2014:ص50)
2. تحليل السلوک التطبيقي: ABA " Applied Behavior Analysis":
يركز تحليل السلوك على المبادئ التي تشرح كيف يحدث التعلم، ويعد التعزيز الإيجابي أحد هذه المبادئ وذلك عندما يتبع السلوك نوعا من المكافأة، بحيث يتكرر حدوث السلوك المستهدف، ولقد وضع تحليل السلوك العديد من الفنيات لزيادة السلوكيات المفيدة والحد من تلك التي قد تسبب الضرر أو تؤثر على التعلم، ما يعني استخدام هذه الفنيات لإحداث تغيير حقيقي وإيجابي في سلوك الطفل، ولقد خلص تقرير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال عام 2007 إلى أن الفائدة العائدة من التدخل باستخدام فنياتABA في اضطرابات طيف التوحد (ASDs) "تم توثيقه جيدا" حيث ثبت أن الأطفال الذين يتلقون التدخل في وقت مبكر شكلت لديهم سلوكيات إيجابية ودائمة وتحققت مكاسب في معدل الذكاء واللغة والأداء الأكاديمي، و السلوك التكيفي، فضلا عن بعض التدابير للسلوك الاجتماعي.
ويتضمن تحليل السلوك التطبيقي تحليل أو تجزئة المهارة بشكل منظم لكى يتم تعلمها في خطوات صغيرة وبسيطة وتعزيز الطفل على كل خطوة عندما يؤديها على نحو صحيح، ويتم تعليم الأجزاء البسيطة في البداية ثم الانتقال إلى السلوكيات الأكثر اتساعا والأكثر تعقيدًا بما يتناسب مع العمر (محمد السيد عبد الرحمن وآخرون ٢٠٠٥- ٢٠٨)
والمدخل السلوكي القائم على تحليل السلوك التطبيقي الخاص بأطفال اضطراب طيف التوحد يتضمن بروتوكولاً يحوي العناصر التالية:
1- التحليل والقياس ويتضمن تحديد السلوك المراد وتعريفه ومن ثم بناء نظام موضوعي لقياس تكرار أو مدة الحدوث.
2- تقييم حالة الطفل : ويتضمن التقييم الوظيفي بعناية والذي يشير بدوره إلى عملية التأكد التجريبي للمتغيرات الضابطة التي تدعم أو تعوق التعبير عن السلوك.
3- تطوير المنهج الفردي ويتضمن تسلسل للأهداف طويلة المدى وقصيرة المدى نتيجة للتقييم، والذي يعكس الأولويات الجماعية لكل الأفراد المشتركين في التدخل العلاجي(الوالدين، الطفل، مقدم العلاج) وتطبيقه على مستوى النمو الحالي للطفل.
4- انتقاء المعززات واستخدامها: وتتضمن تنفيذ تقييم مستمر لتحديد المعززات الوظيفية التي تزيد من الدافعية للتعلم.
5- دعم التعميم: ويتضمن وضع خطة تفصيلية محددة حتى يتم التعبير عن المهارات الجديدة المكتسبة في ظل ظروف معينة وأماكن مختلفة وفي غياب العلاج.
6- انتقاء أساليب التدخل : ويتضمن انتقاء الأسلوب والمدخل العلاجي الخاص بالمهارات المحددة والسلوكيات الخاصة بكل فرد على حدة(محمد عمر،2011: ص122).
ويعمل تحليل السلوك التطبيقي على افتراض ماهيته أن العديد من السلوكيات الشاذة كالصراخ والضرب العنيف يمكن أن تؤخذ لمحاولات للتواصل أو إثارة للسلوك المرغوب والنجاح لتشكيل سلوكيات مرغوبة من خلال التعزيز المتزامن ،بحيث يتم التركيز على اتجاهات الدافعية للطفل وكيف يمكن أن تدعم وتزداد دافعيتها(Trevarthen , Aitken,Papoudi,&Robarts.1998)